الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون} قال ابن عباس: لما نزل لا تقعدوا مع المشركين وهو المراد بقوله{فأعرض عنهم} قال المسلمون: لا يمكننا دخول المسجد والطواف؛ فنزلت هذه الآية. }ولكن ذكرى} أي فإن قعدوا يعني المؤمنين فليذكروهم. }لعلهم يتقون} الله في ترك ما هم فيه. ثم قيل: نسخ هذا بقوله {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون} قوله تعالى{وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا} أي لا تعلق قلبك بهم فإنهم أهل تعنت إن كنت مأمورا بوعظهم. قال قتادة: هذا منسوخ، نسخه فحرف في الحديد وفي القتال وفي الأنعام منها موضعان وقيل: المراد بالدين هنا العيد. قال الكلبي: إن الله تعالى جعل لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه لله تعالى، وكل قوم اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم اتخذوه وصلاة وذكرا وحضورا بالصدقة، مثل الجمعة والفطر والنحر. قوله تعالى{وغرتهم الحياة الدنيا} أي لم يعلموا إلا ظاهرا من الحياة الدنيا. }وذكر به} أي بالقرآن أو بالحساب. }أن تبسل نفس بما كسبت} أي ترتهن وتسلم للهلكة؛ عن مجاهد وقتادة والحسن وعكرمة والسدي. والإبسال: تسليم المرء للهلاك؛ هذا هو المعروف في اللغة. أبسلت ولدي أرهنته؛ قال عوف بن الأحوص بن جعفر: {بعوناه} بالعين المهملة معناه جنيناه. والبعو الجناية. وكان حمل عن غني لبني قشير دم ابني السجيفة فقالوا: لا نرضى بك؛ فرهنهم بنيه طلبا للصلح. وأنشد النابغة الجعدي: الدرداء: كتيبة كانت لهم. }ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع} تقدم معناه. قوله تعالى{وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} الآية. العدل الفدية، والحميم الماء الحار؛ وفي التنزيل والإبسال: التحريم. {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين، وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون} قوله تعالى{قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا} أي ما لا ينفعنا إن دعوناه. }ولا يضرنا} إن تركناه؛ يريد الأصنام. }ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله} أي نرجع إلى الضلالة بعد الهدى. وواحد الأعقاب عقب وهو مؤنث، وتصغيره عقيبة. يقال: رجع فلان على عقبيه، إذا أدبر. قال أبو عبيدة: يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها: قد رد على عقبيه. وقال المبرد: معناه تعقب بالشر بعد الخير. وأصله من العاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشيء واجبا أن يتبعه؛ ومنه قوله تعالى{كالذي} الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف. }استهوته الشياطين في الأرض حيران} أي استغوته وزينت له هواه ودعته إليه. يقال: هوى يهوي إلى الشيء أسرع إليه. وقال الزجاج: هو من هوى يهوي، من هوى النفس؛ أي زين له الشيطان هواه. وقراءة الجماعة }استهوته} أي هوت به، على تأنيث الجماعة. وقرأ حمزة }استهواه الشياطين} على تذكير الجمع. وروي عن ابن مسعود }استهواه الشيطان}، وروي عن الحسن، وهو كذلك في حرف أبي. ومعنى }ائتنا} تابعنا. وفي قراءة عبدالله أيضا }يدعونه إلى الهدى بينا}. وعن الحسن أيضا }استهوته الشياطون}. }حيران} نصب على الحال، ولم ينصرف لأن أنثاه حيرى كسكران وسكرى وغضبان وغضبى. والحيران هو الذي لا يهتدي لجهة أمره. وقد حار يحار حيرا وحيرورة، أي تردد. وبه سمي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائرا، والجمع حوران. والحائر الموضع الذي يتحير فيه الماء. قال الشاعر: قال ابن عباس: أي مثل عابد الصنم مثل من دعاه الغول فيتبعه فيصبح وقد ألقته في مضلة ومهلكة؛ فهو حائر في تلك المهامه. وقال في رواية أبي صالح: نزلت في عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، كان يدعو أباه إلى الكفر وأبواه يدعوانه إلى الإسلام والمسلمون؛ وهو معنى قوله{له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى} فيأبى. قال أبو عمر: أمه أم رومان بنت الحارث بن غنم الكنانية؛ فهو شقيق عائشة. وشهد عبدالرحمن بن أبي بكر بدرا وأحدا مع قومه وهو كافر، ودعا إلى البراز فقام إليه أبوه ليبارزه فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (متعني بنفسك). ثم أسلم وحسن إسلامه، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية. هذا قول أهل السير. قالوا: كان اسمه عبدالكعبة فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبدالرحمن، وكان أسن ولد أبي بكر. قال: إنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم أربعة ولاء: أب وبنوه إلا أبا قحافة وابنه أبا بكر وابنه عبدالرحمن بن أبي بكر وابنه أبا عتيق محمد بن عبدالرحمن. والله أعلم. قوله تعالى{وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة واتقوه} اللام لام كي، أي أمرنا كي نسلم وبأن أقيموا الصلاة؛ لأن حروف الإضافة يعطف بعضها على بعض. قال الفراء: المعنى أمرنا بأن نسلم؛ لأن العرب تقول: أمرتك لتذهب، وبأن تذهب بمعنى. قال النحاس: سمعت أبا الحسن بن كيسان يقول هي لام الخفض، واللامات كلها ثلاث: لام خفض ولام أمر ولام توكيد، لا يخرج شيء عنها. والإسلام الإخلاص. وإقامة الصلاة الإتيان بها والدوام عليها. ويجوز أن يكون }وأن أقيموا الصلاة} عطفا على المعنى، أي يدعونه إلى الهدى ويدعونه أن أقيموا الصلاة؛ لأن معنى ائتنا أن ائتنا. قوله تعالى{وهو الذي إليه تحشرون} ابتداء وخبر وكذا }وهو الذي خلق السماوات والأرض} أي فهو الذي يجب أن يعبد لا الأصنام. ومعنى }بالحق} أي بكلمة الحق. يعني قوله }كن}. {وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير} قوله تعالى{ويوم يقول كن فيكون} أي واذكر يوم يقول كن. أو اتقوا يوم يقول كن. أو قدر يوم يقول كن. وقيل: هو عطف على الهاء في قوله{واتقوه} قال الفراء{كن فيكون} يقال: إنه للصور خاصة؛ أي ويوم يقول للصور كن فيكون. وقيل: المعنى فيكون جميع ما أراد من موت الناس وحياتهم وعلى هذين التأويلين يكون }قوله الحق} ابتداء وخبرا. وقيل: إن قوله تعالى{قوله} رفع بيكون؛ أي فيكون ما يأمر به. }الحق} من نعته. ويكون التمام على هذا }فيكون قوله الحق}. وقرأ ابن عامر }فيكون} بالنصب، وهو إشارة إلى سرعة الحساب والبعث. وقد تقدم في (البقرة) مستوفى. قوله تعالى{يوم ينفخ في الصور} أي وله الملك يوم ينفخ في الصور. أو وله الحق يوم ينفخ في الصور. وقيل: هو بدل من }يوم يقول}. والصور قرن من نور ينفخ فيه، النفخة الأولى للفناء والثانية للإنشاء. وليس جمع صورة كما زعم بعضهم؛ أي ينفخ في صور الموتى على ما نبينه. ومنه قوله{ويوم ينفخ في صور}. قال الكلبي: لا أدري ما هو الصور. ويقال: هو جمع صورة مثل بسرة وبسر؛ أي ينفخ في صور الموتى والأرواح. وقرأ الحسن }(يوم ينفخ في الصور}. والصور (بكسر الصاد) لغة في الصور جمع صورة والجمع صوار، وصيار (بالياء لغة فيه. وقال عمرو بن عبيد: قرأ عياض }يوم ينفخ في الصور} فهذا يعني به الخلق. والله أعلم. قلت: وممن قال إن المراد بالصور في هذه الآية جمع صورة أبو عبيدة. وهذا وإن كان محتملا فهو مردود بما ذكرناه من الكتاب والسنة. وأيضا لا ينفخ في الصور للبعث مرتين؛ بل ينفخ فيه مرة واحدة؛ فإسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور الذي هو القرن والله عز وجل يحيى الصور. وفي التنزيل قوله تعالى{عالم الغيب والشهادة} برفع }عالم} صفة لـ }الذي}؛ أي وهو الذي خلق السماوات والأرض عالم الغيب. ويجوز أن يرتفع على إضمار المبتدأ. وقد روي عن بعضهم أنه قرأ }ينفخ} فيجوز أن يكون الفاعل }عالم الغيب}؛ لأنه إذا كان النفخ فيه بأمر الله عز وجل كان منسوبا إلى الله تعالى. ويجوز أن يكون ارتفع }عالم} حملا على المعنى؛ كما أنشد سيبويه: وقرأ الحسن والأعمش }عالم} بالخفض على البدل من الهاء التي في }له}. {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين} قوله تعالى{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} تكلم العلماء في هذا؛ فقال أبو بكر محمد بن محمد بن الحسن الجويني الشافعي الأشعري في النكت من التفسير له: وليس بين الناس اختلاف؛ كأن اسم والد إبراهيم تارح. والذي في القرآن يدل على أن اسمه آزر. وقيل: آزر عندهم ذم في لغتهم؛ كأنه قال: وإذ قال لأبيه يا مخطئ }أتتخذ أصناما آلهة} وإذا كان كذلك فالاختيار الرفع. وقيل: آزر اسم صنم. وإذا كان كذلك فموضعه نصب على إضمار الفعل؛ كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ آزر إلها، أتتخذ أصناما آلهة. قلت: ما ادعاه من الاتفاق ليس عليه وفاق؛ فقد قال محمد بن إسحاق والكلبي والضحاك: إن آزر أبو إبراهيم عليه السلام وهو تاريخ، مثل إسرائيل ويعقوب؛ قلت فيكون له اسمان كما تقدم. وقال مقاتل: آزر لقب، وتارخ اسم: وحكاه الثعلبي عن ابن إسحاق القشيري ويجوز أن يكون على العكس. قال الحسن: كان اسم أبيه آزر. وقال سليمان التيمي: هو سب وعيب، ومعناه في كلامهم: المعوج. وروى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: بلغني أنها أعوج، وهي أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه. وقال الضحاك: معنى آزر الشيخ الهم بالفارسية. وقال الفراء: هي صفة ذم بلغتهم؛ كأن قال يا مخطئ؛ فيمن رفعه. أو كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه المخطئ؛ فيمن خفض. ولا ينصرف لأنه على أفعل؛ قاله النحاس. وقال الجوهري: آزر اسم أعجمي، وهو مشتق من آزر فلان فلانا إذا عاونه؛ فهو مؤازر قومه على عبادة الأصنام وقيل: هو مشتق من القوة، والآزر القوة؛ عن ابن فارس. وقال مجاهد ويمان: آزر اسم صنم. وهو في هذا التأويل في موضع نصب، التقدير: أتتخذ آزر إلها، أتتخذ أصناما. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، التقدير: أتتخذ آزر أصناما. قلت: فعلى هذا آزر اسم جنس. والله أعلم. وقال الثعلبي في كتاب العرائس: إن اسم أبي إبراهيم الذي سماه به أبوه تارح، فلما صار مع النمروذ قيما على خزانة آلهته سماه آزر. وقال مجاهد: إن آزر ليس باسم أبيه وإنما هو اسم صنم. وهو إبراهيم بن تارح بن ناخور بن ساروع بن أوغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام. و}آزر} فيه قراءات{أإزرا} بهمزتين، الأولى مفتوحة والثانية مكسورة؛ عن ابن عباس. وعنه }أأزرا} بهمزتين مفتوحتين. وقرئ بالرفع، وروي ذلك عن ابن عباس. وعلى القراءتين الأوليين عنه }تتخذ} بغير همزة. قال المهدوي: أإزرا؟ فقيل: إنه اسم صنم؛ فهو منصوب على تقدير أتتخذ إزرا، وكذلك أأزرا. ويجوز أن يجعل أإزرا على أنه مشتق من الأزر وهو الظهر فيكون مفعولا من أجله؛ كأنه قال: أللقوة تتخذ أصناما. ويجوز أن يكون إزر بمعنى وزر، أبدلت الواو همزة. قال القشيري: ذكر في الاحتجاج على المشركين قصة إبراهيم ووده على أبيه في عبادة الأصنام. وأولى الناس بأتباع إبراهيم العرب؛ فإنهم ذريته. أي واذكر إذ قال إبراهيم. أو {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين} قوله تعالى{وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} أي ملك، وزيدت الواو والتاء للمبالغة في الصفة. ومثله الرغبوت والرهبوت والجبروت. وقرأ أبو السمال العدوي }ملكوت} بإسكان اللام. ولا يجوز عند سيبويه حذف الفتحة لخفتها، ولعلها لغة. و}نري} بمعنى أرينا؛ فهو بمعنى المضي. فقيل: أراد به ما في السماوات من عبادة الملائكة والعجائب وما في الأرض من عصيان بني آدم؛ فكان يدعو على من يراه يعصي فيهلكه الله، فأوحى الله إليه يا إبراهيم أمسك عن عبادي، أما علمت أن من أسمائي الصبور. روى معناه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: كشف الله له عن السماوات والأرض حتى العرش وأسفل الأرضين. وروى ابن جريج عن القاسم عن إبراهيم النخعي قال: فرجت له السماوات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش، وفرجت له الأرضون فنظر إليهن، ورأى مكانه في الجنة؛ فذلك قوله قوله تعالى{وليكون من الموقنين} أي وليكون من الموقنين أريناه ذلك؛ أي الملكوت. {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين} قوله تعالى{فلما جن عليه الليل} أي ستره بظلمته، ومنه الجنة والجنة والجنة والجنين والمجن والجن كله بمعنى الستر. وجنان الليل أدلهمامه وستره. قال الشاعر: ويقال: جنون الليل أيضا. ويقال: جنة الليل وأجنه الليل، لغتان. }رأى كوكبا} هذه قصة أخرى غير قصة عرض الملكوت عليه. فقيل: رأى ذلك من شق الصخرة الموضوعة على رأس السرب. وقيل: لما أخرجه أبوه من السرب وكان وقت غيبوبة الشمس فرأى الإبل والخيل والغنم فقال: لا بد لها من رب. ورأى المشتري أو الزهرة ثم القمر ثم الشمس، وكان هذا في آخر الشهر. قال محمد بن إسحاق: وكان ابن خمس عشرة سنة. وقيل: ابن سبع سنين. وقيل: لما حاج نمروذا كان ابن سبع عشرة سنة. قوله تعالى{قال هذا ربي} اختلف في معناه على أقوال؛ فقيل: كان هذا منه في مهلة النظر وحال الطفولية وقبل قيام الحجة؛ وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان. فاستدل قائلو هذه المقالة بما روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال{فلما جن عليه الليل رأي كوكبا قال هذا ربي} فعبده حتى غاب عنه، وكذلك الشمس والقمر؛ فلما تم نظره قال آخر: وقيل: المعنى هذا ربي على زعمكم؛ كما قال تعالى {فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} قوله تعالى{فلما رأى القمر بازغا} أي طالعا. يقال: بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع، والبزغ الشق؛ كأنه يشق بنوره الظلمة؛ ومنه بزغ البيطار الدابة إذا أسال دمها. }قال لئن لم يهدني ربي} أي لم يثبتني على الهداية. وقد كان مهتديا؛ فيكون جرى هذا في مهلة النظر، أو سأل التثبيت لإمكان الجواز العقلي؛ كما قال شعيب {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون} قوله تعالى{فلما رأى الشمس بازغة} نصب على الحال؛ لأن هذا من رؤية العين. بزغ يبزغ إذا طلع. وأفل يأفل أفولا إذا غاب. وقال{هذا} والشمس مؤنثة؛ لقوله }فلما أفلت} فقيل: إن تأنيث الشمس لتفخيمها وعظمها؛ فهو كقولهم: رجل نسابة وعلامة. وإنما قال{هذا ربي} على معنى: هذا الطالع ربي؛ قاله الكسائي والأخفش. وقال غيرهما: أي هذا الضوء. قال أبو الحسن علي بن سليمان: أي هذا الشخص؛ كما قال الأعشى: تركتني في الدار ذا غربة قد ذل من ليس له ناصر {إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} قوله تعالى{إني وجهت وجهي} أي قصدت بعبادتي وتوحيدي لله عز وجل وحده. وذكر الوجه لأنه أظهر ما يعرف به الإنسان صاحبه. }حنيفا} مائلا إلى الحق. }وما أنا من المشركين} اسم }ما} وخبرها. وإذا وقفت قلت{أنا} زدت الألف لبيان الحركة، وهي اللغة الفصيحة. وقال الأخفش: ومن العرب من يقول{أن}. وقال الكسائي: ومن العرب من يقول{أنه}. ثلاث لغات. وفي الوصل أيضا ثلاث لغات: أن تحذف الألف في الإدراج؛ لأنها زائدة لبيان الحركة في الوقف. ومن العرب من يثبت الألف في الوصل؛ كما قال الشاعر: وهي لغة بعض بني قيس وربيعة؛ عن الفراء. ومن العرب من يقول في الوصل: أن فعلت، مثل عان فعلت؛ حكاه الكسائي عن بعض قضاعة. {وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون} قوله تعالى{وحاجه قومه} دليل على الحجاج والجدال؟ حاجوه في توحيد الله. }قال أتحاجوني في الله} قرأ نافع بتخفيف النون، وشدد النون الباقون. وفيه عن ابن عامر من رواية هشام عنه خلاف؛ فمن شدد قال: الأصل فيه نونان، الأولى علامة الرفع والثانية فاصلة بين الفعل والياء؛ فلما اجتمع مثلان في فعل وذلك ثقيل أدغم النون في الأخرى فوقع التشديد ولا بد من مد الواو لئلا يلتقي الساكنان، الواو وأول المشدد؛ فصارت المدة فاصلة بين الساكنين. ومن خفف حذف النون الثانية استخفافا لاجتماع المثلين، ولم تحذف الأولى لأنها علامة الرفع؛ فلو حذفت لاشتبه المرفوع بالمجزوم والمنصوب. وحكي عن أبي عمرو بن العلاء أن هذه القراءة لحن. وأجاز سيبويه ذلك فقال: استثقلوا التضعيف. وأنشد: قوله تعالى{ولا أخاف ما تشركون به} أي لأنه لا ينفع ولا يضر وكانوا خوفوه بكثرة آلهتهم إلا أن يحييه الله ويقدره فيخاف ضرره حينئذ؛ وهو معنى قوله{إلا أن يشاء ربي شيئا} أي إلا أن يشاء أن يلحقني شيء من المكروه بذنب عملته فتتم مشيئته. وهذا استثناء ليس من الأول. والهاء في }به} يحتمل أن تكون لله عز وجل، ويجوز أن تكون للمعبود. وقال{إلا أن يشاء ربي} يعني أن الله تعالى لا يشاء أن أخافهم. ثم قال{وسع ربي كل شيء علما} أي وسع علمه كل شيء. وقد تقدم. {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} قوله تعالى{وكيف أخاف ما أشركتم} ففي }كيف} معنى الإنكار؛ أنكر عليهم تخويفهم إياه بالأصنام وهم لا يخافون الله عز وجل؛ أي كيف أخاف مواتا وأنتم لا تخافون الله القادر على كل شيء }ما لم ينزل به عليكم سلطانا} أي حجة؛ وقد تقدم. }فأي الفريقين أحق بالأمن} أي من عذاب الله: الموحد أم المشرك؛ فقال الله قاضيا بينهم{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} أي بشرك؛ قال أبو بكر الصديق وعلي وسلمان وحذيفة، رضي الله عنهم. وقال ابن عباس: هو من قول إبراهيم؛ كما يسأل العالم ويجيب نفسه. وقيل: هو من قول قوم إبراهيم؛ أي أجابوا بما وهو حجة عليهم؛ قاله ابن جريج. وفي الصحيحين عن ابن مسعود لما نزلت }الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} قوله تعالى{وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم} تلك إشارة إلى جميع احتجاجاته حتى خاصمهم وغلبهم بالحجة. وقال مجاهد: هي قوله{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}. وقيل: حجته عليهم أنهم لما قالوا له: أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبك إياها؟ قال لهم: أفلا تخافون أنتم منها إذ سويتم بين الصغير والكبير في العبادة والتعظيم؛ فيغضب الكبير فيخبلكم؟. }نرفع درجات من نشاء} أي بالعلم والفهم والإمامة والملك. وقرأ الكوفيون }درجات} بالتنوين. ومثله في }يوسف} أوقعوا الفعل على }من} لأنه المرفوع في الحقيقة، التقدير: ونرفع من نشاء إلى درجات. ثم حذفت إلى. وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو بغير تنوين على الإضافة، والفعل واقع على الدرجات، إذا رفعت فقد رفع صاحبها. يقوي هذه القراءة قوله تعالى {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين} قوله تعالى{ووهبنا له إسحاق ويعقوب} أي جزاء له على الاحتجاج في الذين وبذل النفس فيه. }كلا هدينا} أي كل واحد منهم مهتد. و}كلا} نصب بـ }هدينا} }ونوحا} نصب بـ }هدينا} الثاني. }ومن ذريته} أي ذرية إبراهيم. وقيل: من ذرية نوح؛ قاله الفراء واختاره الطبري وغير واحد من المفسرين كالقشيري وابن عطية وغيرهما. والأول قاله الزجاج، واعترض بأنه عد من هذه الذرية يونس ولوط وما كانا من ذرية إبراهيم. وكان لوط ابن أخيه. وقيل: ابن أخته. وقال ابن عباس: هؤلاء الأنبياء جميعا مضافون إلى ذرية إبراهيم، وإن كان فيهم من لم تلحقه ولادة من جهته من جهة أب ولا أم؛ لأن لوطا ابن أخي إبراهيم. والعرب تجعل العم أبا كما أخبر الله عن ولد يعقوب أنهم قالوا قال أبو حنيفة والشافعي: من وقف وقفا على ولده وولد ولده أنه يدخل فيه ولد ولده وولد بناته ما تناسلوا. وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخل فيه ولد البنات. والقرابة عند أبي حنيفة كل ذي رحم محرم. ويسقط عنده ابن العم والعمة وابن الخال والخالة؛ لأنهم ليسو بمحرمين. وقال الشافعي: القرابة كل ذي رحم محرم وغيره. فلم يسقط عنده ابن العم ولا غيره. وقال مالك: لا يدخل في ذلك ولد البنات. وقول: لقرابتي وعقبي كقول: لولدي وولد ولدي. يدخل في ذلك ولد البنين ومن يرجع إلى عصبة الأب وصلبه، ولا يدخل في ذلك ولد البنات. وقد تقدم نحو هذا عن الشافعي في }آل عمران}. والحجة لهما قول سبحانه قد تقدم في سورة (النساء) بيان ما لا ينصرف من هذه الأسماء. ولم ينصرف داود لأنه اسم أعجمي، ولما كان على فاعول لا يحسن فيه الألف واللام لم ينصرف. وإلياس أعجمي. قال الضحاك: كان إلياس من ولد إسماعيل. وذكر القتبي قال: كان من سبط يوشع بن نون. وقرأ الأعرج والحسن وقتادة }والياس} بوصل الألف. وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم }واليسع} بلام مخففة. وقرأ الكوفيون إلا عاصما }والليسع}. وكذا قرأ الكسائي، ورد قراءة من قرأ }واليسع} قال: لأنه لا يقال اليفعل مثل اليحيى. قال النحاس: وهذا الرد لا يلزم، والعرب تقول: اليعمل واليحمد، ولو نكرت يحيى لقلت اليحيى. ورد أبو حاتم على من قرأ }الليسع} وقال: لا يوجد ليسع. وقال النحاس: وهذا الرد لا يلزم، فقد جاء في كلام العرب حيدر وزينب، والحق في هذا أنه اسم أعجمي، والعجمة لا تؤخذ بالقياس إنما تؤخذ سماعا والعرب تغيرها كثيرا، فلا ينكر أن يأتي الاسم بلغتين. قال مكي: من قرأ بلامين فأصل الاسم ليسع، ثم دخلت الألف واللام للتعريف. ولو كان أصله يسع ما دخلته الألف واللام؛ إذ لا يدخلان على يزيد ويشكر: اسمين لرجلين؛ لأنهما معرفتان علمان. فأما }ليسع} نكرة فتدخله الألف واللام للتعريف، والقراءة بلام واحدة أحب إلي؛ لأن أكثر القراء عليه. وقال المهدوي: من قرأ }اليسع} بلام واحدة فالاسم يسع، ودخلت الألف واللام زائدتين، كزيادتهما في نحو الخمسة عشر، وفي نحو قوله: وقد زادوها في الفعل المضارع نحو قوله: يريد الذي يتقصع. قال القشيري: قرئ بتخفيف اللام والتشديد. والمعنى واحد في أنه اسم لنبي معروف؛ مثل إسماعيل إبراهيم، ولكن خرج عما عليه الأسماء الأعجمية بإدخال الألف واللام. وتوهم قوم أن اليسع هو إلياس، وليس كذلك؛ لأن الله تعالى أفرد كل واحد بالذكر. وقال وهب: اليسع هو صاحب إلياس، وكانا قبل زكريا ويحيى وعيسى. وقيل: إلياس هو إدريس وهذا غير صحيح لأن إدريس جد نوج وإلياس من ذريته. وقيل: إلياس هو الخضر. وقيل: لا، بل اليسع هو الخضر. و}لوطا} اسم أعجمي انصرف لخفته. وسيأتي اشتقاقه في }الأعراف}. {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} قوله تعالى{ومن آبائهم وذرياتهم} }من} للتبعيض؛ أي هدينا بعض آبائهم وذرياتهم وإخوانهم. }واجتبيناهم} قال مجاهد: خلصناهم، وهو عند أهل اللغة بمعنى اخترناهم؛ مشتق من جبيت الماء في الحوض أي جمعته. فالاجتباء ضم الذي تجتبيه إلى خاصتك. قال الكسائي: وجبيت الماء في الحوض جبا، مقصور. والجابية الحوض. قال: {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} قوله تعالى{ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا} أي لو عبدوا غيري لحبطت أعمالهم، ولكني عصمتهم. والحبوط البطلان. وقد تقدم في (البقرة). {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} قوله تعالى{أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة} ابتداء وخبر }والحكم} العلم والفقه. }فإن يكفر بها} أي بآياتنا. }هؤلاء} أي كفار عصرك يا محمد. }فقد وكلنا بها} جواب الشرط؛ أي وكلنا بالإيمان بها }قوما ليسوا بها بكافرين} يريد الأنصار من أهل المدينة والمهاجرين من أهل مكة. وقال قتادة: يعني النبيين الذين قص الله عز وجل. قال النحاس: وهذا القول أشبه بالمعنى؛ لأنه قال بعد {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين} قوله تعالى{فبهداهم اقتده} الاقتداء طلب موافقة الغير في فعله. فقيل: المعنى أصبر كما صبروا. وقيل: معنى }فبهداهم اقتده} التوحيد والشرائع مختلفة. وقد احتج بعض العلماء بهذه الآية على وجوب أتباع شرائع الأنبياء فيما عدم فيه النص؛ كما قرأ حمزة والكسائي }اقتد قل} بغير هاء في الوصل. وقرأ ابن عامر }اقتد هي قل}. قال النحاس: وهذا لحن؛ لأن الهاء لبيان الحركة في الوقف وليست بهاء إضمار ولا بعدها واو ولا ياء، وكذلك أيضا لا يجوز }فبهداهم اقتد قل}. ومن اجتنب اللحن وأتبع السواد قرأ }فبهداهم اقتده} فوقف ولم يصل؛ لأنه إن وصل بالهاء لحن وإن حذفها خالف السواد. وقرأ الجمهور بالهاء في الوصل على نية الوقف وعلى نية الإدراج اتباعا لثباتها في الخط. وقرأ ابن عياش وهشام }اقتده قل} بكسر الهاء، وهو غلط لا يجوز في العربية. قوله تعالى{قل لا أسألكم عليه أجرا} أي جعلا على القرآن. }إن هو} أي القرآن. }إلا ذكرى للعالمين} أي هو موعظة للخلق. وأضاف الهداية إليهم فقال{فبهداهم اقتده} لوقوع الهداية بهم. وقال{ذلك هدى الله} لأنه الخالق للهداية. {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} قوله تعالى{وما قدروا الله حق قدره} أي فيما وجب له واستحال عليه وجاز. قال ابن عباس: ما آمنوا أنه على كل شيء قدير. وقال الحسن: ما عظموه حق عظمته. وهذا يكون من قولهم: لفلان قدر. وشرح هذا أنهم لما قالوا{ما أنزل الله على بشر من شيء} نسبوا الله عز وجل إلى أنه لا يقيم الحجة على عباده، ولا يأمرهم بما لهم فيه الصلاح؛ فلم يعظموه حق عظمته ولا عرفوه حق معرفته. وقال أبو عبيدة: أي ما عرفوا الله حق معرفته. قال النحاس: وهذا معنى حسن؛ لأن معنى قدرت الشيء وقدرته عرفت مقداره. ويدل عليه قوله تعالى{إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} أي لم يعرفوه حق معرفته؛ إذ أنكروا أن يرسل رسولا. والمعنيان متقاربان. وقد قيل: وما قدروا نعم الله حق تقديرها. وقرأ أبو حيوة }وما قدروا الله حق قدره} بفتح الدال، وهي لغة. قوله تعالى{إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} قال ابن عباس وغيره: يعني مشركي قريش. وقال الحسن وسعيد بن جبير: الذي قاله أحد اليهود، قال: لم ينزل الله كتابا من السماء. قال السدي: اسمه فنحاص. قوله تعالى{قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} خطاب للمشركين، وقوله }يجعلونه قراطيس} لليهود وقوله }وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} للمسلمين. وهذا يصح على قراءة من قرأ }يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون} بالياء. والوجه على قراءة التاء أن يكون كله لليهود، ويكون معنى }وعلمتم ما لم تعلموا} أي وعلمتم ما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم على وجه المن عليهم بإنزال التوراة. وجعلت التوراة صحفا فلذلك قال }قراطيس تبدونها} أي تبدون القراطيس. وهذا ذم لهم؛ ولذلك كره العلماء كتب القرآن أجزاء. }قل الله} أي قل يا محمد الله الذي أنزل ذلك الكتاب على موسى وهذا الكتاب علي. أو قل الله علمكم الكتاب. }ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} أي لاعبين، ولو كان جوابا للأمر لقال يلعبوا. ومعنى الكلام التهديد. وقيل: هو من المنسوخ بالقتال؛ ثم قيل{يجعلونه} في موضع الصفة لقوله }نورا وهدى} فيكون في الصلة. ويحتمل أن يكون مستأنفا، والتقدير: يجعلونه ذا قراطيس. وقوله{يبدونها ويخفون كثيرا} يحتمل أن يكون صفة لقراطيس؛ لأن النكرة توصف بالجمل. ويحتمل أن يكون مستأنفا حسبما تقدم. {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون} قوله تعالى{وهذا كتاب} يعني القرآن }أنزلناه} صفة }مبارك} أي بورك فيه، والبركة الزيادة. ويجوز نصبه في غير القرآن على الحال. وكذا }مصدق الذي بين يديه} أي من الكتب المنزلة قبله، فإنه يوافقها في نفي الشرك وإثبات التوحيد. }ولتنذر أم القرى} يريد مكة والمراد أهلها، فحذف المضاف؛ أي أنزلناه للبركة والإنذار. }ومن حولها} يعني جميع الآفاق. }ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة} يريد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ بدليل قوله{يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون} إيمان من آمن بالآخرة ولم يؤمن بالنبي عليه السلام ولا بكتابه غير معتد به. {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} قوله تعالى{ومن أظلم} ابتداء وخبر؛ أي لا أحد أظلم. }ممن افترى على الله كذبا} أي اختلق. }أو قال أوحي إلي} فزعم أنه نبي }ولم يوح إليه شيء} نزلت في رحمان اليمامة والأسود العبسي وسجاح زوج مسيلمة؛ كلهم تنبأ وزعم أن الله قد أوحى إليه. قال قتادة: بلغنا أن الله أنزل هذا في مسيلمة؛ وقال ابن عباس. قلت: ومن هذا النمط من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن يقول: وقع في خاطري كذا، أو أخبرني قلبي بكذا؛ فيحكمون بما يقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم، ويزعمون أن ذلك لصفائها من الأكدار وخلوها من الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكليات ويعلمون أحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، ويقولون: هذه الأحكام الشرعية العامة، إنما يحكم بها على الأغبياء والعامة، وأما الأولياء وأهل الخصوص، فلا يحتاجون لتلك النصوص. وقد جاء فيما ينقلون: استفت قلبك وإن أفتاك المفتون؛ ويستدلون على هذا بالخضر؛ وأنه استغنى بما تجلى له من تلك العلوم، عما كان عند موسى من تلك الفهوم. وهذا القول زندقة وكفر، يقتل قائله ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب؛ فإنه يلزم منه هد الأحكام وإثبات أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم. وسيأتي لهذا المعنى في }الكهف} مزيد بيان إن شاء الله تعالى. قوله تعالى{ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} }من} في موضع خفض؛ أي ومن أظلم ممن قال سأنزل، والمراد عبدالله بن أبي سرح الذي كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد ولحق بالمشركين. وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون أنه لما نزلت الآية التي في }المؤمنون} قوله تعالى{ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت} أي شدائده وسكراته. والغمرة الشدة؛ وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها. ومنه غمره الماء. ثم وضعت في معنى الشدائد والمكاره. ومنه غمرات الحرب. قال الجوهري: والغمرة الشدة، والجمع غمر مثل نوبة ونوب. قال القطامي يصف سفينة نوح عليه السلام: وغمرات الموت شدائده. }والملائكة باسطو أيديهم} ابتداء وخبر. والأصل باسطون. قيل: بالعذاب ومطارق الحديد؛ عن الحسن والضحاك. وقيل: لقبض أرواحهم؛ وفي التنزيل {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون} قوله تعالى{ولقد جئتمونا فرادى} هذه عبارة عن الحشر و}فرادى} في موضع نصب على الحال، ولم ينصرف لأن فيه ألف تأنيث. وقرأ أبو حيوة }فرادا} بالتنوين وهي لغة تميم، ولا يقولون في موضع الرفع فراد. وحكى أحمد بن يحيى }فراد} بلا تنوين، قال: مثل ثلاث ورباع. و}فرادى} جمع فردان كسكارى جمع سكران، وكسالى جمع كسلان. وقيل: واحده }فرد} بجزم الراء، و}فرد} بكسرها، و}فرد} بفتحها، و}فريد}. والمعنى: جئتمونا واحدا واحدا، كل واحد منكم منفردا بلا أهل ولا مال ولا ولد ولا ناصر ممن كان يصاحبكم في الغي، ولم ينفعكم ما عبدتم من دون الله. وقرأ الأعرج }فردى} مثل سكرى وكسلى بغير ألف. }كما خلقناكم أول مرة} أي منفردين كما خلقتم. وقيل: عراة كما خرجتم من بطون أمهاتكم حفاة غرلا بهما ليس معهم شيء. وقال العلماء: يحشر العبد غدا وله من الأعضاء ما كان له يوم ولد؛ فمن قطع منه عضو يرد في القيامة عليه. وهذا معنى قوله{غرلا} أي غير مختونين، أي يرد عليهم ما قطع منه عند الختان. قوله تعالى{وتركتم ما خولناكم} أي أعطيناكم وملكناكم. والخول: ما أعطاه الله للإنسان من العبيد والنعم. }وراء ظهوركم} أي خلفكم. }وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء} أي الذين عبدتموهم وجعلتموهم شركاء يريد الأصنام أي شركائي. وكان المشركون يقولون: الأصنام شركاء الله وشفعاؤنا عنده. }لقد تقطع بينكم} قرأ نافع والكسائي وحفص بالنصب على الظرف، على معنى لقد تقطع وصلكم بينكم. ودل على حذف الوصل قوله }وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم}. فدل هذا على التقاطع والتهاجر بينهم وبين شركائهم: إذ تبرؤوا منهم ولم يكونوا معهم. ومقاطعتهم لهم هو تركهم وصلهم لهم؛ فحسن إضمار الوصل بعد }تقطع} لدلالة الكلام عليه. وفي حرف ابن مسعود ما يدل على النصب فيه وهذا لا يجوز فيه إلا النصب، لأنك ذكرت المتقطع وهو }ما}. كأنه قال: لقد تقطع الوصل بينكم. وقيل: المعنى لقد تقطع الأمر بينكم. والمعنى متقارب. وقرأ الباقون }بينكم} بالرفع على أنه اسم غير ظرف، فأسند الفعل إليه فرفع. ويقوي جعل }بين} اسما من جهة دخول حرف الجر عليه في قوله تعالى {إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون} قوله تعالى{إن الله فالق الحب والنوى} عد من عجائب صنعه ما يعجز عن أدنى شيء منه آلهتهم. والفلق: الشق؛ أي يشق النواة الميتة فيخرج منها ورقا أخضر، وكذلك الحبة. وخرج من الورق الأخضر نواة ميتة وحبة؛ وهذا معنى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي؛ عن الحسن وقتادة. وقال ابن عباس والضحاك: معنى فالق خالق. وقال مجاهد: عني بالفلق الشق الذي في الحب وفي النوى. والنوى جمع نواة. ويجري في كل ما له كالمشمش والخوخ. }يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي} يخرج البشر الحي من النطفة الميتة، والنطفة الميتة من البشر الحي؛ عن ابن عباس. {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم} قوله تعالى{فالق الإصباح} نعت لاسم الله تعالى، أي ذلكم الله ربكم فالق الإصباح. وقيل: المعنى إن الله فالق الإصباح. والصبح والصباح أول النهار، وكذلك الإصباح؛ أي فالق الصبح كل يوم، يريد الفجر. والإصباح مصدر أصبح. والمعنى: شاق الضياء عن الظلام وكاشفه. وقال الضحاك: فالق الإصباح خالق النهار. وهو معرفة لا يجوز فيه التنوين عند أحد من النحويين. وقرأ الحسن وعيسى بن عمر }فالق الإصباح} بفتح الهمزة، وهو جمع صبح. وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه قرأ }فلق الإصباح} على فعل، والهمزة مكسورة والحاء منصوبة. وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وحمزة والكسائي }وجعل الليل سكنا} بغير ألف. ونصب }الليل} حملا على معنى }فالق} في الموضعين؛ لأنه بمعنى فلق، لأنه أمر قد كان فحمل على المعنى. وأيضا فإن بعده أفعالا ماضية وهو قوله قلت: فيريد مكي والمهدوي وغيرهما إجماع القراء السبعة. والله أعلم. وقرأ يعقوب في رواية رويس عنه }وجاعل الليل ساكنا}. وأهل المدينة }وجاعل الليل سكنا} أي محلا للسكون. {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون} قوله تعالى{وهو الذي جعل لكم النجوم} بين كمال قدرته، وفي النجوم منافع جمة. ذكر في هذه الآية بعض منافعها، وهي التي ندب الشرع إلى معرفتها؛ وفي التنزيل {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون} قوله تعالى{وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة} يريد آدم عليه السلام. وقد تقدم في أول السورة. }فمستقر} قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج وشيبة والنخعي بكسر القاف، والباقون بفتحها. وهي في موضع رفع بالابتداء، إلا أن التقدير فيمن كسر القاف فمنها }مستقر} والفتح بمعنى لها }مستقر}. قال عب الله بن مسعود: فلها مستقر في الرحم ومستودع في الأرض التي تموت فيها؛ وهذا التفسير يدل على الفتح. وقال الحسن: فمستقر في القبر. وأكثر أهل التفسير يقولون: المستقر ما كان في الرحم، والمستودع ما كان في الصلب؛ رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقاله النخعي. وعن ابن عباس أيضا: مستقر في الأرض، ومستودع في الأصلاب. قال سعيد بن جبير: قال لي ابن عباس هل تزوجت؟ قلت: لا؛ فقال: إن الله عز وجل يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه. وروي عن ابن عباس أيضا أن المستقر من خلق، والمستودع من لم يخلق؛ ذكره الماوردي. وعن ابن عباس أيضا: ومستودع عند الله. قلت: وفي التنزيل {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون} قوله تعالى{وهو الذي أنزل من السماء ماء} أي المطر. }فأخرجنا به نبات كل شيء} أي كل صنف من النبات. وقيل: رزق كل حيوان. }فأخرجنا منه خضرا} قال الأخفش: أي أخضر؛ كما تقول العرب: أرينها نمرة أركها مطرة. والخضر رطب البقول. وقال ابن عباس: يريد القمح والشعير والسلت والذرة والأرز وسائر الحبوب. }نخرج منه حبا متراكبا} أي يركب بعضه على بعض كالسنبلة. قوله تعالى{ومن النخل من طلعها قنوان دانية} ابتداء وخبر. وأجاز الفراء في غير القرآن }قنوانا دانية} على العطف على ما قبله. قال سيبويه: ومن العرب من يقول: قنوان. قال الفراء: هذه لغة قيس، وأهل الحجاز يقولون: قنوان، وتميم يقولون: قنيان؛ ثم يجتمعون في الواحد فيقولون: قنو وقنو. والطلع الكفري قبل أن ينشق عن الإغريض. والإغريض يسمى طلعا أيضا. والطلع؛ ما يرى من عذق النخلة. والقنوان: جمع قنو، وتثنيته قنوان كصنو وصنوان (بكسر النون). وجاء الجمع على لفظ الاثنين. قال الجوهري وغيره: الاثنان صنوان والجمع صنوان (برفع النون). والقنو: العذق والجمع القنوان والأقناء؛ قال: غيره{أقناء} جمع القلة. قال المهدوي: قرأ ابن هرمز }قنوان} بفتح القاف، وروي عنه ضمها. فعلى الفتح هو اسم للجمع غير مكسر، بمنزلة ركب عند سيبويه، وبمنزلة الباقر والجامل؛ لأن فعلان ليس من أمثلة الجمع، وضم القاف على أنه جمع قنو وهو العذق (بكسر العين) وهي الكباسة، وهي عنقود النخلة. والعذق (بفتح العين) النخلة نفسها. وقيل: القنوان الجمار. }دانية} قريبة، ينالها القائم والقاعد. عن ابن عباس والبراء بن عازب وغيرهما. وقال الزجاج: منها دانية ومنها بعيدة؛ فحذف؛ ومثله قوله تعالى{وجنات من أعناب} أي وأخرجنا جنات. وقرأ محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى والأعمش، وهو الصحيح من قراءة عاصم }وجنات} بالرفع. وأنكر هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، حتى قال أبو حاتم: هي محال؛ لأن الجنات لا تكون من النخل. قال النحاس. والقراءة جائزة، وليس التأويل على هذا، ولكنه رفع بالابتداء والخبر محذوف؛ أي ولهم جنات. كما قرأ جماعة من القراء وقيل: التقدير }وجنات من أعناب} أخرجناها؛ كقولك: أكرمت عبدالله وأخوه، أي وأخوه أكرمت أيضا. فأما الزيتون والرمان فليس فيه إلا النصب للإجماع على ذلك. وقيل{وجنات} بالرفع عطف على }قنوان} لفظا، وإن لم تكن في المعنى من جنسها. }والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه} أي متشابها في الأوراق؛ أي ورق الزيتون يشبه ورق الرمان في اشتمال على جميع الغصن وفي حجم الورق، وغير متشابه في الذواق؛ عن قتادة وغيره. قال ابن جريج{متشابها} في النظر }وغير متشابه} في الطعم؛ مثل الرمانتين لونهما واحد وطعامهما مختلف. وخص الرمان والزيتون بالذكر لقربهما منهم ومكانهما عندهم. وهو كقوله قوله تعالى{انظروا إلى ثمره إذا أثمر} أي نظر الاعتبار لا نظر الإبصار المجرد عن التفكر. والثمر في اللغة جنى الشجر. وقرأ حمزة والكسائي }ثمره} بضم الثاء والميم. والباقون بالفتح فيهما جمع ثمرة، مثل بقرة وبقر وشجرة وشجر. قال مجاهد الثمر أصناف المال، والتمر ثمر النخل. وكأن المعنى على قول مجاهد: انظروا إلى الأموال التي يتحصل منه الثمر؛ فالثمر بضمتين جمع ثمار وهو المال المثمر. وروي عن الأعمش }ثمره} بضم الثاء وسكون الميم؛ حذفت الضمة لثقلها طلبا للخفة. ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة مثل بدنة وبدن. ويجوز أن يكون ثمر جمع جمع، فتقول: ثمرة وثمار وثمر مثل حمار وحمر. ويجوز أن يكون جمع ثمرة كخشبة وخشب لا جمع الجمع. قوله تعالى{وينعه} قرأ محمد بن السميقع }ويانعه}. وابن محيصن وابن أبي إسحاق }وينعه} بضم الياء. قال الفراء: هي لغة بعض أهل نجد؛ يقال: ينع الثمر يينع، والثمر يانع. وأينع يونع والتمر مونع. والمعنى: ونضجه. ينع وأينع إذا نضج وأدرك. قال الحجاج في خطبته: أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها. قال ابن الأنباري: الينع جمع يانع، كراكب وركب، وتاجر وتجر، وهو المدرك البالغ. وقال الفراء: أينع أكثر من ينع، ومعناه أحمر؛ ومنه قال ابن العربي قال مالك: الإيناع الطيب بغير فساد ولا نقش. قال: مالك: والنقش أن ينقش أهل البصرة الثمر حتى يرطب؛ يريد يثقب فيه بحيث يسرع دخول الهواء إليه فيرطب معجلا. فليس ذلك الينع المراد في القرآن، ولا هو الذي ربط به رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع، وإنما هو ما يكون من ذاته بغير محاولة. وفي بعض بلاد التين، وهي البلاد الباردة، لا ينضج حتى يدخل في فمه عود قد دهن زيتا، فإذا طاب حل بيعه؛ لأن ذلك ضرورة الهواء وعادة البلاد، ولولا ذلك ما طاب في وقت الطيب. قلت: وهذا الينع الذي يقف عليه جواز بيع التمر وبه يطيب أكلها ويأمن من العاهة، هو عند طلوع الثريا بما أجرى الله سبحانه من العادة وأحكمه من العلم والقدرة. وقد استدل من أسقط الجوائح في الثمار بهذه الآثار، وما كان مثلها من نهيه عليه السلام عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن بيع الثمار حتى تذهب العاهة. قال عثمان بن سراقة: فسألت ابن عمر متى هذا؟ فقال: طلوع الثريا. قال الشافعي: لم يثبت عندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، ولو ثبت عندي لم أعده، والأصل المجتمع عليه أن كل من ابتاع ما يجوز بيعه وقبضه كانت المصيبة منه، قال: ولو كنت قائلا بوضع الجوائح لو ضعتها في القليل والكثير. وهو قول الثوري والكوفيين. وذهب مالك وأكثر أهل المدينة إلى وضعها؛
|